يوسف كنحو
لا يعرف بالضبط متى ولماذا بدأ البشر أول مرة بعمل ما يسمى اليوم بشاهدة القبر، التي هي عبارة عن قطعة حجرية يكتب عليها الاسم وتاريخ الوفاة. لكن الدلائل الأولى أتت من المكتشفات الأثرية التي كتبت باللغة والثقافة الآرامية، التي بدورها ازدهرت في بلاد الشام وما حولها. ومنذ ذلك الوقت استمر هذا التقليد وانتشر في مختلف الثقافات والديانات التي أتت بعدها. ولاتزال في الوقت الحاضر جزءًا لا يتجزأ من مكونات قبور العصور الحديثة في العالم
شواهد القبور الآرامية التي تعود الى القرن السابع قبل الميلاد، تمثل الدليل الأثري الأقدم عن هذا التقليد. وهو ناتج على ما يبدو عن التطور الكتابة الآرامية وتطور الطقوس الدينية الخاصة بالموتى من جهة وتطور صناعة نحت التماثيل الحجرية البازلتية من جهة أخرى. لذا كانت الشاهدة الآرامية تتضمن صورة تقريبية للمتوفى مع كتابة آراميه تتحدث عن اسم وحياة الشخص المتوفى ومعلومات دينية ولاحقا تاريخ وعمر المتوفى. كما هو الحال في شواهد القبور المكتشفة في النيرب شرق حلب
ينطبق ذلك على الشاهدة التي تعود الى كاهن اسمه سين زر ابني (كاهن إله القمر)، الذي تم تصويره على شكل رجل متوسط العمر يرتدي ثوبا تقليديا وعلى راسه عمامة ويحمل في يده شيئا ما، وكتب حول رأسه كتابة آرامية مؤلفة من 14 سطرًا. تتضمن الكتابة اسم الكاهن واسم المدينة التي توفى فيها وهي النيرب التي ما تزال موجودة حتى الآن. كذلك تتضمن الكتابة في الأسطر الأخيرة، تهديد الى كل شخص يقوم بتخريب أو نهب المدفن، أي أن جميع الآلهة (يذكر النقش اسماء أربع منها يبدو ان هي التي كانت معبودة في ذلك الوقت) ستنتقم منه حيث سيقتل بشكل وحشي ويباد نسله وإذا حافظ على المدفن ستحميه، هذه العبارة الأخيرة استمرت في الاستخدام لعدة قرون لاحقاً
اما الشاهدة الثانية فكانت لكاهن اسمه شاجبار، تم تصويره على شكل رجل جالس يتناول الطعام وبيده صحن ويقابله خادمه الذي يحمل مروحة ربما لإبعاد الذباب عنه! وفي أعلى الشاهدة توجد كتابة آرامية. تشير الكتابة الى اسم الكاهن كذلك تتضمن عبارة دينية حيث تذكر اسم الإله الذي كان يعبده وعبارة شكر له لإطالة عمره ومنحه اسماً جميلاً ومكان الوفاة وتشير الى الطقوس وقت الوفاة ويذكر أنه بعد وفاته رأى الناس يبكون عليه بشدة كذلك من يخرب المدفن ستعاقبه الآلهة وتقطع نسله
يبدو ان عادة سرقة وتخريب القبور منتشرة بالفعل منذ ذلك الوقت لذلك أشار الكاهن أن من يخرب مدفنه ستعاقبه الآلهة. سرقة القبور وتخريبها تكون بشكل رئيسي لأسباب دينية او لسرقة محتوياتها، حيث هناك عدد من الأشياء الثمينة تكون مع المتوفى مثل الحلي والأدوات الثمينة التي كانت تقليدا متبعا في عدد من الثقافات القديمة. لذلك بعض الحضارات تقوم على دفن موتاهم وخاصة الملوك في أماكن سرية كما هو الحال مع الحضارة المصرية القديمة. كذلك يبدو ان شواهد القبور في البداية كانت فقط لرجال الدين والملوك ولم تكن متاحة لعامة الشعب
في الفترات الزمنية والثقافات اللاحقة، تطورت شواهد القبور بشكل كبير، خاصة في مدينة تدمر (القرن الأول الميلادي) التي كانت اللغة الآرامية احدى لغاتها الرئيسية. حيث أصبحت شاهدة القبر بمثابة هوية شخصية للمتوفى تكون تمثاله (صورة) طبق الأصل عنه خاصة عندما يكون في مرحلة الشباب. كانت معظم شواهد القبور تكتب بالآرامية، ليست الرسمية، حيث يكتب اسم المتوفى ويضاف اليه عبارة واسفاه. ويطلق على شواهد القبور باللغة التدمرية اسم ” نفش” والتي تعني الشخص او الروح، أي ان الشاهدة تمثل الشخص المدفون (الجسد) وروحه. كما كانت الشاهدة دليل مادي تذكر الاحياء بالأموات. ويعتقد التدمريون أن وجود الاسم وذكره يخفف الألم عن المتوفى
(للمزيد من المعلومات يرجى العودة الى المقال tun21061503))
لهذا السبب ازدهرت ورشات صناعة تماثيل (الموتى) في تدمر. أصبحت هنا مدافن عائلية توضع فيها شواهد قبور لجميع افراد العائلة. لذلك كل مدفن من مدافن تدمر يمثل متحف عائليا او معرضا لصورة العائلة. لهذا السبب تعرضت العديد منها قديما وحديثا للسرقة نظرا لما تحويه من تماثيل ولقى ثمينة
في العصور الوسطى، تطورت شواهد القبور لدى الثقافة الإسلامية والمسيحية فبالإضافة الى كتابة أسماء الموتى والتعابير الدينية. أصبحت هناك الصفات الفنية بارزة ظاهرة شائعة على الشاهدة بحيث أصبحت الشاهدة مجالا للمنافسة الفنية وتعبير عن الحالة الاجتماعية، سواء من حيث تجسيد تماثيل الموتى في الثقافة المسيحية وأسلوب الكتابة باللغة العربية بشكل فني مميز
شواهد القبور ليست مجرد ذكرى للمتوفين فحسب، بل هي أيضًا وثائق تاريخية خالدة وغنية. تقدم نافذة على العالم القديم، تكشف عن تعقيدات المجتمعات وتفاعلاتها مع الثقافات والحضارات المجاورة. في نفس الوقت، تستمر المعلومات الأساسية التي كتبها الآراميين على شواهد قبورهم في الاستخدام، منذ ذلك الوقت حتى الان، تتضمن بشكل رئيسي اسم المتوفى والعمر وتاريخ الوفاة وعبارات دينية. على الرغم من الاختلاف الجذري في الثقافات كاللغة والدين. بذلك تعتبر ظاهرة وتقليد ثقافي عالمي ربما كان اختراعه اول مرة في الشرق الأوسط لكنه انتشر الى كافة انحاء العالم، مثل كافة الاكتشافات التقنية والثقافية التي يتشارك بيها البشر في الوقت الحالي. كذلك يدل ذلك ان التبادل والانتقال الثقافي سائدة منذ أقدم العصور
tun24062606
Grabstein für den Priester Sigabbor (Priester des Mondgottes). Er wird sitzend dargestellt und nimmt eine Mahlzeit aus einer Schale ein, während ihm gegenüber ein Diener steht, der möglicherweise eine Fliegenklatsche hält, um Fliegen von ihm fernzuhalten! Foto: Ahmad Othman.
002470
002471