يوسف كنجو وعبد الباسط كناوي
تعتبر الشموع أقدم وسيلة إنارة في تاريخ الحضارات، ولم يكن استخدامها مقتصراً على الإنارة أو الحصول على الضوء فقط، ومع مرور الوقت نشأت بين الشموع والإنسان علاقات دينية واجتماعية انعكست على كثير من الممارسات والطقوس والعادات
قبل حوالي 500,000 سنة، استطاع الانسان القديم التحكم في النار وإضاءة الظلام في الليل وداخل الكهوف. تم نقل هذا الضوء (النار) أيضًا باستخدام اغصان الشجر أو بطريقة ما تشبه المشاعل. ومنذ حوالي 40,000 سنة، بدأ البشر في استخدام مصابيح بدائية. اكتشف الآثاريون أجزاءاً من الحجر المزخرف تحمل آثار الحرق تعود الى تلك الحقبة. في هذه الأوعية الحجرية، كان الناس يحرقون دهون الحيوانات مع فتيل نباتي، مما أدى إلى الخصول على ضوء لمدة أطول مقارنة بحرق الخشب
من جهة أخرى، لا يُعرف على وجه الدقة متى تم اختراع الشموع واستخدامها في الإنارة أو الطقوس الدينية، إلا أن الدلائل الاثارية تُشير إلى أن قدماء المصريين أول من استخدام الشمع بمفهومه الحالي، حيث قاموا بغمس نبات البُردي في دهن الحيوانات واستخدامه للإنارة. يبدو ذلك من خلال لوحة فنية جدارية في مدفن فرعوني، تتضمن قارب فيه شمعة صغيرة او سراج، وهي جزء من موكب طقسي جنائزي فرعوني تعود الى فترة حكم الفرعون امنحوتب
استخدم اليونانيون الأوائل الشموع لتكريم ميلاد الآلهة أرتميس، وبدأ الرومان بصناعة الشموع حوالي العام 500 ق.م. على الرغم من أن المصابيح الزيتية/ السُرج الفخارية والمعدنية كانت مستخدمة بشكل واسع كمصدر أساسي للإنارة في إيطاليا (وباقي مناطق الإمبراطورية الرومانية) إلا ان الشموع كانت تهدى باستمرار في طقوسهم كعيد الالهة ساتورن
بعد انهيار الإمبراطورية الرومانية وتوقف التجارة في مناطق السيطرة الرومانية مما أدى إلى شح في زيت الزيتون الذي كان الوقود الأكثر شيوعاً لإنارة المصابيح في جميع أنحاء أوروبا. ونتيجة لذلك، أصبحت الشموع مستخدمة بشكل واسع. الا ان صناعة الشموع كانت غير معروفة نسبياً في شمال أفريقيا والشرق الأوسط بسبب توفر زيت الزيتون
المادة الأولية في صناعة الشمع الأوربي كان الشحم الحيواني وهو الدهن المستخرج من الأبقار والغنم، ونتيجة الرائحة الكريهة المنبعثة منه، تم إصدار قرار رسمي بمنع هذه الصناعة في العديد من المدن الأوروبية. وعرف شمع النحل بجودته العالية في إنتاج الشموع وبدون رائحة كريهة، ولكن استخدامه في الصناعة ظل مُقيداً بسبب تكلفته الباهظة لذلك تم استخدامه فقط من قبل الأثرياء وفي الكنائس وأثناء المناسبات الملكية
في العصور الإسلامية، بدأ الأمويون إضاءة مجالس الخُلفاء والطبقة الميسورة والمساجد الكبيرة من خلال الشموع على الرغم من أن التكلفة هي ضعف تكلفة الإضاءة باستخدام الأسرجة الفخارية أو المعدنية. كذلك استخدمت في العديد من المناسبات في العصور الاسلامية، ففي مواكب الخلفاء زينت الموكب كما في عصر كل من الخليفة الأموي يزيد بن عبد الملك والوليد بن عبد الملك في دمشق، كذلك حفلات زواج الخلفاء استخدمت الشموع للتعبير عن التفاؤل بهذا الزواج. هنا ظهرت الشموع الكثيرة الممزوجة بالعنبر والكافور، والتي عرفت بعد ذلك بالشموع العنبرية. بلغ الولع باستخدام الشموع أن أمر الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله بإضاءة الشوارع والحارات والأزقة بالشموع ليلاً. وقد عرف في القاهرة حي يسمي بحي الشماعين وهي مكان لبيع وتجارة الشمع. في الإسلام، لا توجد طقوس دينية محددة أو معانٍ خاصة للشموع. لذلك يستخدم بعض المسلمين الشموع ربما لأغراض جمالية أو عملية، مثل العطر، أو للزينة، أو في المناسبات الرومانسية
وكان العام 1879 كارثي لصناعة الشموع على الرغم من التقدم الذي أحرزته صناعة الشموع حيث تم فيه اختراع المصباح الكهربائي المتوهج، ونتيجة لذلك تم استخدام الشموع لاحقاً كمواد للزينة فتعددت الاشكال والأحجام والألوان وتم انتاج الشموع المعطرة للتشجيع على الاستهلاك
كما لا تزال مصابيح الزيت تُستخدم في الطقوس البيزنطية (الكنيسة الأرثوذكسية)، ولا تزال الشموع تلعب دورًا كبيرًا في الاحتفالات، سواء الرسمية أو غير ذلك، من خدمة الكنيسة الأسبوعية، إلى الأحداث الأكبر مثل عيد الفصح واعياد الميلاد، وعلى الأضرحة ومناسبات عقد القران والأعراس فهي لا تزال ترمز إلى الصلاة ونور الله
في أوقات الحرب كما هو الحال في سوريا أو أوكرانيا، يعود الناس مرة أخرى إلى استخدام الشموع كمصدر رخيص للضوء وبأسعار معقولة بسبب تدمير شبكات الكهرباء. ربما يجب على الناس استخدام الشموع بشكل متزايد، ليس فقط بسبب نقص الكهرباء بسبب الحروب، ولكن أيضًا لتوفير الطاقة وحماية البيئة
tun23112904
002233
002236
